بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن والاه.
أهمية الارتباط بعلماء أهل السنة والجماعة
أقتبسته من كلام الشيخ الفاضل عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم رحمه الله تعالى من (من هم العلماء).
قال رحمه الله وغفر له : (وأقصد بالارتباط أخذ المنهج عنهم وتلقي المعتقد
السليم منهم، يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله في "جامع العلوم والحكم"
عندما تكلم عن الطريقة السليمة لأخذ العلم: (ومن سلك طريقة العلم على ما
ذكرناه تمكن من فهم جواب الحوادث الواقعة غالبا؛ لأن أصولها توجد في تلك
الأصول المشار إليها، ولا بد أن يكون سلوك هذا الطريق خلف أهله المجمع على
درايتهم وهدايتهم كالشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد ومن سلك سبيلهم، فإنّ
من ادعى سلوك هذا الطريق على غير طريقتهم وقع في مفاوز ومهالك وأخذ بما لا
يجوز الأخذ به وترك ما يوجب العمل به). انتهى كلامه رحمه الله.
فالارتباط بعلماء السلف أمر في غاية الأهمية، فبه سلم المرء من الانحراف
والمعتقد والمنهج والسلوك، وتأمَّل معي نقلين سوف أتلوها الآن، يتبين لك
ما كان عليه السلف رحمة الله عليهم من الارتباط الوثيق بسلفهم:
فقد جاء في "تذكرة الحفاظ" للإمام الذهبي رحمة الله تعالى عليه بترجمة أبي
داود صاحب السنن أن بعض الأئمة قال: "كان أبو داود يُشَبَّه بأحمد بن حنبل
في هَدْيِهِ ودَلِّهِ وسَمْتِهِ، وكان أحمد يُشَبَّه في ذلك بوكيع، وكان
وكيع يُشَبَّه في ذلك بسفيان، وسفيان بمنصور، ومنصور بإبراهيم، وإبراهيم
بعلقمة، وعلقمة بعبد الله بن مسعود، وقال علقمة: كان ابن مسعودٍ يُشَبَّه
بالنبي في هديه ودَلِّه" فهذا ارتباط في الهدي والدّل والسّمْت، فكيف
بالمعتقد والمنهج؟
النقل الثاني: يقول ابن جرير الطبري وهو الإمام المشهور صاحب المذهب
المستقل، يقول في كتابه "صريح السنة" في صفحة (25) من هذا الكتاب: (وأما
القَوْلُ في ألفاظ العباد بالقرآن فلا أثر فيه نعلمه عن صحابي مضى ولا
تابعي انقضى إلا عمن في قوله الغناء والشفاء رحمة الله عليه ورضوانه وفي
اتباع الرشد والهدي ومن يقوم قوله لدينا مقام قول الأئمة الأولى أبي عبد
الله أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ...) إلى آخر الكلام. فموطن الشاهد
انظر إلى الارتباط الوثيق في التلقي بين السلف رحمهم الله تعالى، والذي
أحب تجليته، وإن كانت بعض العقول سوف تستعظمه أنّ من القواعد المقررة عند
أهل السنة والجماعة ضرورةَ ربط العامَّة بأشخاص تمثلت فيهم العقيدة
السلفية والمنهج السليم لما؟ ليأخذ عنهم المعتقد والمنهج بكل تسليم وقبول؛
لأن عامة الناس لا يميزون الصحيح من السقيم، فلا سبيل إلى ربطهم على
الجادة إلاّ الارتباط بأشخاص تمثلت فيهم السنة, ولذلك يقول الإمام قتيبة
بن سعيد رحمة الله عليه: (إذا رأيت الرجل يحب يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن
مهدي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية فإنه على السنة، ومن خالف هذا فاعلم
أنه مبتدع). ويقول أحمد بن عبد الله بن يونس: (امتحنْ أهل الموصل بمعاذ بن
عمران فإنْ أحبُّوه فهم أهل السنة، وإن أبغضوه فهم أهل البدعة، كما يمتحن
أهل الكوفة بيحيى). فانظر كيف جعل علامة تسنن الرجل محبة هؤلاء وعلامة
زيغه بغض هؤلاء. في هذا وأمثاله ربط للعامة بهؤلاء الأعلام.
ولقد قررت هذا الكلام في ما سبق في محاضرة عامة، فاستنكر بعضهم ذلك
وتعاظمه، ورماني بتعظيم الأشخاص وتقديسهم، وخطب في ذلك خطبة، بينما هو
وغيره يبجِّلون صغار الأسنان مما لا يصل إلى كعب هؤلاء العلماء الأجلاء
رحمة الله تعالى عليهم، والذي أريد أنْ أوصله إلى هؤلاء وأمثالهم أنَّ هذا
التقرير ليس معناه الدعوة إلى التقليد ممن لا يسوغ له التقليد، فمن ساغ له
التقليد فله أن يقلِّد، ليس معنى هذا الدعوة إلى التقليد، وإنما معنى هذا
إيصال السلسلة إلى صاحب الشريعة متصلة، وهذه السلسلة حلقاتها هم أهل
العلم؛ هم أهل السنة والجماعة، «مثْلُ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي»
كما قال ؛ فإذا اتصلت هذه السلسلة فأخذنا على علماء السنة وارتبطنا بهم،
وعلماء السنة أخذوا على علماء السنة قبلهم، وهكذا وصلت السلسلة سليمة نقية
إلى صاحب الشريعة وهذا الموضوع يستحق الإطالة والتشعب، وفيه شواهد كثيرة
من حال السلف رحمة الله تعالى عليهم في ارتباط بعضهم ببعض، وأخذ بعضهم عن
بعض، وحثّ بعضهم الناسَ جميعاً على الالتزام بشخص تمثّلت فيه السنة، ولذلك
الشافعي رحمه الله يقول: (من أبغض أحمد بن حنبل فهو كافر. قال له الربيع
بن سليمان: تطلق عليه اسم الكفر؟ قال: نعم، من أبغض أحمد بن حنبل عاند
السنة، ومن عاند السنة قصد الصحابة، ومن قصد الصحابة قصد النبي فهو كافر
بالله العظيم) أو نحو هذا الكلام فيما ذكره القاضي ابن أبي يعلى في طبقات
الحنابلة في أولها في ترجمة الإمام أحمد رحمه الله تعالى، فهذا الكلام
للشافعي ومن غيره ليس المقصود به تبجيل الإمام أحمد وتقديسه لذاته. لا,
وإنما المراد أنّه عَلَمٌ على السنة، ولذلك كان العلماء يقولون نحن على
اعتقاد أحمد بن حنبل ولا أحد ينكر عليهم، وأبو الحسن الأشعري في كتابه
"الإبانة" قال: (إني على اعتقاد الإمام أحمد رحمه الله تعالى). وقَبل
العلماء منه ذلك، وصحّحوا معتقده الأخير الذي مات عليه إن شاء الله تعالى.
فيجب أن نَعِيَ هذه النقطة، وأن ننتبه لها انتباهاً كاملاً قوياً، فما دخل
النقص إلا يوم أنْ ضَعُف ارتباطنا بعلمائنا رحم الله تعالى ميتهم وحفظ
حيَّهم)اهـ.